الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَكَذَلكَ تُخْرَجُونَ} يعني: يحييكم بالمطر الذي يمطر من البحر المسجور كالمني فتحيون به.وقال مقاتل: يرسل الله عز وجل يوم القيامة ماء الحيوان من السماء السابعة من البحر المسجور على الأرض، بين النفختين، فينتشر عظام الموتى فذلك قوله: {وَكَذَلكَ تُخْرَجُونَ} قرأ حمزة والكسائي: {تُخْرَجُونَ} بفتح التاء.والباقون برفع التاء.يعني: تخرجون من قبوركم يوم القيامة.قوله عز وجل: {وَمنْ ءاياته} قال مقاتل: يعني ومن علامات الرب، أنه واحد وإن لم يروه، وعرفوا توحيده بصنعه، {أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} يعني: خلق آدم من تراب وأنتم ولده {ثُمَّ إذَا أَنتُمْ} ذريته من بعده {بَشَرٌ تَنتَشرُونَ} يعني: تبسطون.كقوله: {وَهُوَ الذي يُنَزّلُ الغيث من بَعْد مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الولى الحميد} [الشورى: 28] يعني: ويبسط.ويقال: {وَمنْ ءاياته} يعني: من العلامات التي تدل على أن الله عز وجل واحد لا مثل له، ظهور القدرة التي يعجز عنها المخلوقون {أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} يعني: آدم عليه السلام {ثُمَّ إذَا أَنتُمْ بَشَرٌ} منتشرون على وجه الأرض.ثم قال عز وجل: {وَمنْ ءاياته} يعني: من علامات وحدانيته {أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسكُمْ} يعني: من جنسكم {أزواجا} لأنه لو كان من غير جنسه، لكان لا يستأنس بها.ويقال: {مّنْ أَنفُسكُمْ} يعني: خلقها من آدم.ويقال: من بعضكم بعضًا {لّتَسْكُنُوا إلَيْهَا} يعني: لتستقر قلوبكم عندها.لأن الرجل إذا طاف البلدان، لا يستقر قلبه، فإذا رجع إلى أهله، اطمأن واستقر.ويقال: {لّتَسْكُنُوا إلَيْهَا} يعني: لتوافقوها {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} يعني: الحب بين الزوج والمرأة، ولم يكن بينهما قرابة.ويحب كل واحد منهما صاحبه، ويقال: وجعل منكم مودة للصغير على الكبير، ورحمة للكبير على الصغير.ويقال: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} يعني: الولدان {إنَّ في ذَلكَ لاَيَاتٍ} يعني: فيما ذكر لعلامات لوحدانيته {لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أني خالق.قوله عز وجل: {وَمنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض} وأنتم تعلمون ذلك، لأنهم مقرون أن الله عز وجل خالقهم، وهو خالق الأشياء {واختلاف أَلْسنَتكُمْ} أي: عربي، وعجمي، ونبطي، {وألوانكم} أي: أحمر، وأبيض، وأسود، وأسمر.{إنَّ في ذَلكَ لاَيَاتٍ} يعني: لعلامات في خلق السموات والأرض، واختلاف الألسن، والألوان لعلامات.{للعالمين} فيعتبرون.قرأ عاصم في روية حفص: {للعالمين} بكسر اللام.يعني: جميع العلماء، يعني: إن في ذلك علامة للعقلاء.وقرأ الباقون: بنصب اللام يعني: علامة لجميع خلق الإنس والجن.قوله عز وجل: {وَمنْ ءاياته مَنَامُكُم باليل والنهار} منامكم نومكم، فهو مصدر.يقال: نام نومًا، ومنامًا بالليل والنهار، على معنى التقديم يعني: منامكم بالليل {وابتغاؤكم مّن فَضْله} بالنهار يعني: طلبكم الرزق بالنهار والمعيشة {إنَّ في ذَلكَ لاَيَاتٍ} يعني: لعلامات على وحدانيتي {لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} المواعظ ويعتبرون.قوله عز وجل: {وَمنْ ءاياته يُريكُمُ البرق خَوْفًا} من الصواعق إذا كنتم بأرض قفر، {وَطَمَعًا} للمطر.{خَوْفًا وَطَمَعًا} منصوبان على المفعول له المعنى يريكم للخوف والطمع، خوفًا للمسافر وطمعًا للمقيم.{وَيُنَزّلُ منَ السماء مَاء} يعني: المطر {وَمنْ ءاياته يُريكُمُ} أي: بالنبات {بَعْدَ مَوْتهَا إنَّ في ذَلكَ لآيات} أي: لعلامات {لّقَوْمٍ يَعْقلُونَ} عن الله عز وجل فيوحدونه.قوله عز وجل: {وَمنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء} يعني: فوق رءوسكم بغير عمد لا يناله شيء، وتقوم الأرض على الماء تحت أقدامكم {والأرض بأَمْره} أي: بقدرته {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض} يعني: إسرافيل عليه السلام يدعوكم على صخرة بيت المقدس في الصور دعوة من الأرض {إذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} وقال بعضهم: في الآية تقديم.ومعناه: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض يعني: من قبوركم فإذا أنتم تخرجون: قرأ حمزة والكسائي: {تُخْرَجُونَ} بنصب التاء وضم الراء.وقرأ الباقون: بضم التاء ونصب الراء.ثم قال عز وجل: {وَلَهُ مَن في السموات والأرض} من الخلق {كُلٌّ لَّهُ قانتون} يعني: مقرّين بالعبودية.يعلمون أن الله عز وجل ربهم.ويقال: {قانتون} أي: خاضعون له، لا يقدرون أن يغيروا أنفسهم عما خلقهم.ويقال: معناه في كل شيء دليل ربوبيّته.وهذا أيضًا من آياته.ولكنه لم يذكر لأنه قد سبق ذكره مرات، فكأنه يقول ومن آياته أن له من في السموات والأرض كل له قانتون.ثم قال عز وجل: {وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} أي: خلق آدم، فبدأ خلقهم ولم يكونوا شيئًا {ثُمَّ يُعيدُهُ} يعني: يبعثهم في الآخرة أحياء {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} يعني: في المثل عندكم، لأن إبداء الشيء أشدّ من إعادته.ويقال: إن ابتداءه كان نطفة، ثم جعله علقة، ثم جعله مضغة، ثم لحمًا، ثم عظامًا.وفي الآخرة حال واحد وذلك هو أهون عليه من هذا.وقال القتبي عن أبي عبيدة: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} يعني: هيّن عليه كما يقال الله أكبر أي: الكبير.ويقال: الإعادة أهون عليه من البداية، والبداية عليه هين.ثم قال: {وَلَهُ المثل الاعلى في السموات والأرض} يعني: الصفات العلى بأنه واحد لا شريك له {وَهُوَ العزيز} في ملكه {الحكيم} في أمره.ثم قال عز وجل: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا} نزلت في كفار قريش، كانوا يعبدون الآلهة، ويقولون في إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.قال الله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا} أي: وصف لكم شبهًا {مّنْ أَنفُسكُمْ هَلْ لَّكُمْ ممَّا مَلَكَتْ أيمانكم} يعني: من العبد {مّن شُرَكَاء فيمَا رزقناكم} من الأموال {فَأَنتُمْ} وعبيدكم {فيه سَوَاء} في الرزق فيما أعطيناكم من الأموال والملك.ثم قال: {تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ} قال مقاتل: يعني: أتخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت، كما تخافون أن يرثكم الأحرار.فقالوا: لا.فقال: أترضون لله الشركة في ملكه وتكرهون لأنفسكم.قال الكلبي: {هَلْ لَّكُمْ ممَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن شُرَكَاء فيمَا رزقناكم} من أموالكم، من عبيدكم وإمائكم، {فَأَنتُمْ} وهم {فيه سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ} يقول: كما يخاف الرجل ابنه وعمه وأقاربه.قالوا: لا.قال: فأنتم لا ترضون هذا لأنفسكم أن يكونوا فيما تملكون يشاركونكم في أموالكم.فكيف ترضون لله ما لا ترضون به لأنفسكم.وقال السدي: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا} هذا مثل ضربه الله عز وجل في الميراث للآلهة.يقول: هل لكم مماليك شركاء في الميراث الذي ترثونه من آبائكم، وأنتم تخافون أن يدخل معكم مملوككم في ذلك الميراث، كما تدخلون أنتم فيه.فكما لا يكون للملوك أن يدخل في مواريثكم، فكذلك لا يكون لهذا الوثن الذي تعبدونه من دون الله عز وجل، أن يدخل في ملكي.وإنما خلقي وعبيدي.قال أبو الليث رحمه الله عز وجل: وفي الآية دليل أن العبد لا ملك له، لأنه أخبر أن لا مشاركة للعبيد فيما رزقنا الله عز وجل من الأموال.ثم قال عز وجل: {كذلك نُفَصّلُ الآيات} يعني: نبيّن العلامات {لّقَوْمٍ يَعْقلُونَ} الأمثال فيوحدونه.ثم قال عز وجل: {بَل اتبع الذين ظَلَمُوا أَهْوَاءهُمْ} يعني: اتبع الذين كفروا أهواءهم بعبادة الأوثان {بغَيْر علْمٍ} يعني: بغير حجة {فَمَن يَهْدى مَنْ أَضَلَّ الله} يعني: فمن يهدي إلى توحيد الله، من أضله الله وخذله وطرده.ويقال: فمن يرشد إلى الحق من خذله الله عز وجل: {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} يعني: مانعين من عذاب الله.قوله عز وجل: {فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا} أي: أخلص دينك الإسلام للدين حنيفًا.يعني: للتوحيد مخلصًا.ويقال: يذكر الوجه ويراد به هو، فكأنه يقول: فأقم الدين مخلصًا.ويقال: معناه فأقبل بوجهك إلى الدين، وأقم عليه حنيفًا، أي: مخلصًا، مائلًا إليه.ويقال: أخلص دينك وعملك لله تعالى، وكن مخلصًا.ثم قال: {فطْرَةَ الله} يعني: اتبع دين الله.ويقال: اتبع ملة الله.ويقال: الفطرة الخلقة يعني: خلقة الله {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} أي: خلق البشر عليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطْرَة، وَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانه وَيُنَصّرَانه وَيُمَجّسَانه كَمَا تُنْتجُ البَهيمَةُ بَهيمَةً هَلْ تُحسُّونَ فيهَا منْ جَدْعَاءَ» وروي عن أبي هريرة أنه قال: اقرؤوا إن شئتم {فطْرَةَ الله الذي فَطَرَكُمْ الناس عَلَيْهَا} يعني: خلق الناس عليها.وفي الخبر أنه قال: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطْرَة» لأنه شهد يوم الميثاق ثم قال: {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} يعني: لا تغيير لدين الله.ويقال: لا تبديل لخلق الله عندما خلق الله الخلق، لم يكن لأحد أن يغير خلقته.ثم قال: {ذلك الدين القيم} يعني: التوحيد هو الدين المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: كفار مكة لا يعلمون بتوحيد الله. اهـ.
|